الثلاثاء، 18 مارس 2014

حوارات مطر



            لا أدري ما يحدث لي حين المطر، وقع قطرات المطر على نافذتي و الليل الطويل المنسدل على  خشبة السماء يناديني لدور البطولة.



            أجول وحيدا في الشوارع الفرعية النائمة بين البيوت الفارهة و قطرات المطر الباردة تتخبط على وجهي، أمشي على أطاريف الرصيف مشية صبيانية خشية الوقوع في المحيط الجارف على يميني أو البركان الثائر على يساري، يتراءى لي خيال خلف ستارة أحد النوافذ؛ إنه خيال حلوتي التي بانتظاري، أهمّ بالنداء عليها فيأتي خيال آخر ليحضنها فأصحو من أحلام اليقظة و أمضي في طريقي الجنوني أنا و المطر لا ثالث لنا.


            يحدثني المطر عن أسفاره و مغامراته التي لا تنتهي، يروي لي حكايات الحب الأزلية و لا يتوقف عن النميمة على قيس كيف هام مجنونا كما الورقة في مهب الريح و يكمل حديثه عن عنترة كما لو كان ظله في النهار و أحلامه في الليل.


            تأتي صغيرتي من بين المطر بتلك المشية الرزينة و هذين الكتفين الصغيرين و الأصابع الظريفة التي تطل بخجل من تحت الأكمام الصوفية الطويلة، يالجمال عينيها الواسعتين إنهما حكاية لوحدهما؛ سماءان مظلمتان تتلألأ النجوم فيهما تتراقصان في بحر من الثلج النقي, يعصف قلبي و تتفجر براكينه، الرموش الطويلة غاية بالجمال، الحاجبان أحد فنون خط الرقعة، و الأنف المحمر من البرد المنبسط المنتهي بانحناءة، الوجنتان الورديتان، و تلك الشفاه الصغيرة المرسومة بإتقان، الذقن الانسيابي المستدق و الرقبة الملساء ذات الخطين النافرين و البشرة البيضاء الصافية التي يتخللها لون الشرايين الباهت سبحان من سواها.
        


   استحضر شعر يزيد بن معاوية :
وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ ،،،، ورداً ، وعضتْ على العِنابِ بِالبـردِ 
يخطر ببالي الكثير الكثير، أن أغازل النرجس ........ أن أقبل الورد .............. أن أتذوق العناب .......... كم أحسد حبات المطر إذ تنساب على تضاريس وجهها فترسم انحناءاته و تقاطيعه، تستعد لقول شيء تفتح فاهها قليلا و يظهر البرَد فتدركها سبابتي الضريرة مانعة اي كلام، لا لزوم للكلام يا ملاكي فالعيون قد نطقت كل الكلام.


            أعانقها، أشتم شعرها المبتل، أنحني قليلا لأخذ نفس عميق من جِـيدها المعطّر و يبدأ تأثير المخدر، تتلون الدنيا أمامي بالوردي الشجر و الطريق و الليل وردي، كل شيء حولي وردي بدرجاته الرائعة، أستنشق جرعة أخرى، فأنتشي و أنتشي، أهمس في أذنها الصغيرة كل شعر العشق الذي قيل و الذي سيقال، و في الخلفية صوت المطر، ذلك الإيقاع المنتظم حينا و العبثي حينا آخر.




            يمازحني المطر بالضرب على أذني ألا تستمع إليّ؟
- لو علمت مم ايقظتني.
- هل رجعت لأحلام اليقظة ؟
- تكاد تكون حقيقة.
- لا تنزعج إنها مجرد خيالات.
- ثلاثة شتاءات قد مررن.
- أولم تنسها بعد ؟
- هل تقص حكايتي على أحد آخر كما كنت تحدثني عن قيس ؟
- لا أحدث أحدا غيرك.
- اذا أنا أحد مجانين هذا العالم.
- هه، بل تكاد تكون المجنون الوحيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق